الاتحاد الدولي للألعاب المائية يفتتح مركز التميّز في جامعة التكنولوجيا البحرين   |   مدير عام المؤسسة السورية للبريد يزور البريد الأردني.    |   جورامكو تقيم عشاء 《تحت ظل الطائرات》احتفاءً ببدء العمليات التشغيلية في هنجر 7   |   نقيب الصحفيين ونائبه في ضيافة عمان الاهلية   |   لماذا بكى نائب الرئيس الاميركي ؟؟؟   |   بنك الاتحاد يحقق نمواً ملحوظاً في مؤشرات أدائه في الربع الثالث من عام 2025   |   رئيس الوزراء.. 《الثقافة》تطلق الدورة الـ19 لبرنامج مكتبة الأسرة الأردنية من 《الريشة》   |   زين والتدريب المهني تختتمان دورة التدريب المجانية على تكنولوجيا《الفايبر》   |   عن مازن القاضي واشياء اخرى   |   وزارة الثقافة تطلق مهرجان الأغنية الأردنية 2025 وتعلن أسماء المتأهلين لمرحلته النهائية   |   البدادوة يقود مطالب وطنية في لقاء مع رئيس الوزراء: رؤية صناعية، عدالة اجتماعية، وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية   |   شريك الابتكار لمؤتمر ومعرض C8 2025 الذي سيعقد تحت رعاية سمو ولي العهد   |   عزم تتصدر الأداء النيابي خلال الدورة الاولى للبرلمان   |   انطلاق رالي 《جوردان رايدرز》غداً لدعم السياحة في المثلث الذهبي برعاية زين   |   الحكومة: خصم 20% على 《المسقفات》... بشرط؟!   |   رئاسة الوزراء تعلن عن مشاريع في عمّان: جسر صويلح وقطار خفيف ومطار ماركا ومدارس ومركز رياضي ونقل المسلخ   |   رسميا.. الكشف عن حصيلة صادمة لمحاولات الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي خلال 18 شهرًا   |   100شهيد بغزة منذ الليلة الماضية.. ومصدر إسرائيلي يوضح: 《الهجمات على غزة انتهت》   |   الجوائز العربية… والثقافة التي تضيء أفق المستقبل   |   الصناعيون في ضيافة الملك   |  

《التحول الرقمي في البلديات: ضرورة تنموية واستحقاق إداري》


《التحول الرقمي في البلديات: ضرورة تنموية واستحقاق إداري》

《التحول الرقمي في البلديات: ضرورة تنموية واستحقاق إداري》

 

في الوقت الذي يشهد فيه العالم سباقًا نحو الرقمنة والإدارة الذكية، ما زالت البلديات الأردنية تتحرك ضمن نمط إداري تقليدي يُثقل كاهلها ويُقيّد قدرتها على التجاوب مع المتطلبات المتسارعة للمواطنين والمجتمعات المحلية. فقد تحوّلت البلديات، في كثير من الحالات، إلى وحدات تنفيذية روتينية، تقتصر أدوارها على إصدار الرخص وجمع النفايات وإدارة الخدمات اليومية، دون أن يكون لها حضور فاعل في التنمية المحلية، أو أدوات تحليلية تُمكّنها من قياس أدائها، أو قنوات تواصل رقمية تبني الثقة وتُعزز المشاركة. إن الفجوة بين المواطن والبلدية لا تتعلق فقط بجودة الخدمات، بل بطريقة التفكير والبنية المؤسسية والقدرة على مواكبة روح العصر.

 

واقع البلديات في الأردن يُظهر حالة من التفاوت والارتجال في تقديم الخدمات وتوثيق البيانات، فبعض البلديات الكبرى تعتمد أنظمة أرشفة إلكترونية محدودة النطاق، بينما تعتمد بلديات أخرى كليًا على الملفات الورقية والمراسلات اليدوية، ما يجعل استرجاع المعلومة عملية شاقة ومعرضة للأخطاء، ويُعيق الشفافية والمتابعة. المواطن، في المقابل، لا يمتلك وسيلة عملية للاطلاع على المشاريع التي تنفذها بلديته، أو ميزانياتها، أو نسب الإنجاز، أو حتى التواصل المنهجي معها. ولا توجد قاعدة بيانات موحدة تسمح بقياس الأداء أو مقارنة البلديات أو استخراج مؤشرات وطنية تُغذّي عملية صنع القرار. هذا الفراغ المعلوماتي لا يُسهم فقط في ضعف المساءلة، بل يُعمّق حالة الانفصال بين المواطن وصانع القرار المحلي.

 

كما أن البلديات تفتقر اليوم إلى آليات حقيقية لرصد احتياجات المجتمع وتحليل الطلبات المتكررة وتوجيه الموارد بناءً على الأولويات. فلا توجد أنظمة إنذار مبكر للتحديات الخدمية، ولا أدوات ذكاء اصطناعي لتوقع الضغط على الموارد أو التغيرات السكانية أو الحركة العمرانية. وهذا يعني أن قرارات الإنفاق، غالبًا، تُبنى على الانطباع أو التقدير، لا على بيانات لحظية مدعومة بالتحليل. كما أن غياب أدوات رقابة داخلية وشفافية خارجية يُصعّب على البلديات الدفاع عن موازناتها، أو كسب ثقة المواطنين والممولين، أو استقطاب شراكات فاعلة مع القطاع الخاص أو منظمات المجتمع المدني.

 

وإذا أضفنا إلى ذلك ضعف وجود قنوات اتصال رقمية فعالة، فإننا أمام حالة إدارية شبه مغلقة، فيها المواطن يتنقل من مكتب إلى آخر، أو يُجبر على الحضور الشخصي لمتابعة طلب أو شكوى، دون وجود تطبيق ذكي، أو بوابة موحدة، أو حتى وسيلة تفاعلية بالعربية تتيح له تقديم طلباته أو تتبعها أو معرفة أين يقف من مسار المعاملة. ويزداد الأمر تعقيدًا حين نعلم أن بعض البلديات لا تمتلك مواقع إلكترونية فاعلة، أو تُحدّث بياناتها بشكل دوري، أو توفر محتوى مفيدًا باللغة الأم للمواطن الأردني.

 

ما نحتاج إليه اليوم ليس مجرد تطوير للمواقع الإلكترونية، ولا "رقمنة" سطحية للمعاملات، بل منصة رقمية ذكية شاملة تعيد بناء العلاقة بين المواطن والبلدية على أساس من الشفافية والمشاركة والبيانات الحية. منصة تستطيع أن تُظهر لكل مواطن ما يجري في مدينته أو بلدته، من المشاريع قيد التنفيذ إلى نسب الإنجاز الفعلية، ومن حجم الإنفاق إلى تفاصيل الموازنات، ومن فرص المشاركة إلى قنوات التقييم والتغذية الراجعة. كما يجب أن تمكّن هذه المنصة البلديات من إدارة طلبات المواطنين بشكل فعال، وتحليل البيانات الواردة، وتحديد الأولويات، ومراقبة الأداء لحظيًا عبر لوحات تحكم ديناميكية سهلة الاستخدام.

 

هذا التحول ليس ترفًا ولا تجميلًا شكليًا، بل استحقاق وطني يرتبط برؤية الأردن الاقتصادية 2033، ويخدم أهداف اللامركزية وتوزيع الموارد بعدالة، ويُرسّخ مفهوم الحوكمة الرشيدة على المستوى المحلي. بل إن غيابه يُعطّل قدرة الدولة على التخطيط المتكامل، ويُضعف تنسيق السياسات بين الوزارات والبلديات، ويُفقد المواطن الثقة بقدرة الجهاز الإداري على الاستجابة الفعّالة.

 

لقد آن الأوان لأن تخرج البلديات من عباءة التراكمات الورقية والهياكل القديمة، إلى فضاء رقمي حديث، قائم على منصة موحدة، وبيانات دقيقة، ومؤشرات أداء شفافة، وتفاعل مباشر مع المواطن. قد تكون هذه المنصة قيد التطوير الآن، وربما نشهد انطلاقتها قريبًا، لتكون التجربة الأردنية الجديدة في الإدارة المحلية، التي تُعيد الاعتبار لدور البلدية بوصفها محرّكًا للتنمية، لا مجرد منفّذ للخدمات.

د.يزن طاهر شوابكة استاذ/باحث في الإقتصاد والإدارة العامة