ليس بعد
ليس بعد
الخطوب محكّ القلوب
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن بناتُ طارق
نمشي على النمارق
إن تُقبلوا نُعانق
أو تُدبروا نُفارق
فِراق غير وامق
هل من كريم عاشق
يحمي عن العوانق
والمسك في المفارق
والدر في المخانق
دقّت الطبول، فارتجفت الأرض. الأهازيج تتعالى، وصليل السيوف يمتزج بصهيل الخيل، والغبار يعلو حتى يحجب السماء.
وفجأة… صيحات تتردد : انهزمنا
لكن صوتًا آخر دوّى كالرعد: ليس بعد
وانعكس صداه في الأفق: ليس بعد… بعد… بعد…
هتاف انطلق من رجلٍ تمرّس في ميادين الوغى، يعرف متى يشتد الوطيس ومتى تنقلب الموازين.
الأصوات تتضارب : انتصرنا. … ابقوا في أماكنكم … لا تخالفوا أوامر الرسول
غير أن الصوت الحاسم ظل واحدًا: ليس بعد .
الفرسان يندفعون من الخلف كالعاصفة. السيوف تلمع كالبرق. الغلبة تتحول فجأة إلى بلاء، والفرح ينقلب محنة.
في خضم الفوضى، رمح يطير في الهواء… يشقّ الغبار… يصيب جسدًا شجاعًا كان يزلزل الميدان. ويسقط الجبل الذي كان يردع القلوب.
تعالت الصرخات، والطبول واصلت إيقاعها الصاخب، وكبدٌ يتمزق بين الأنياب، والدموع تحترق في القلوب.
لكن وسط كل هذا، ارتفع صوت ثابت:
“الله مولانا ولا مولى لكم… قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار.
الجرحى يعودون مثقلين بالدماء، والمدينة تنتظرهم بقلوب حزينة. وهناك نزل الوحي:
﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ﴾
(آل عمران: 152).
لم تكن غزوة أُحد مجرد صفحة في التاريخ، بل مرآةً لكل عصر: الصفّ إذا تماسك انتصر، وإذا تفرّق انكسر.
وفي صدى الطبول وصليل السيوف، ارتفع الصوت الأخير كأنه قدر:
الطاعة والامتثال… هما الفاصل بين نصرٍ وجنّة، وعصيانٍ وهزيمة
