وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُون
وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُون
بسم الله، والله أكبر
الموضوع: صقور الحق
في زمنٍ تلاشى فيه المنطق وضاعت فيه القيم،
تسكن في ذاكرة الزمن قصةٌ لا تذكرها الكتب، لكنها يتوارثها الحكماء:
قصةُ صقرٍ عظيمٍ لم يكن يملك جناحين من نار، ولا مخالب من ذهب،
لكنه امتلك قلبًا شريفًا حرًّا مليئًا بالحكمة والإرادة والشجاعة.
رأى النار تشتعل، والجبال صامتةً، والأنهار بعيدة،
فقال في نفسه :
«إن لم أقدر أن أُطفئها، فلا أقلّ من أن تشهد السماء أنني هنا، مع الحق .
طار إلى نهرٍ قريب، ملأ فمه بالماء،
وعاد يُلقيه على النار من بعيد،
بل ودعا جميع الطيور أن تحذو حذوه.
تتساقط القطرات كأنها غيثٌ من سحابٍ أرسله الله،
وهو يردد :
أنا لا أملك إلا القليل، لكني لن أقف متفرجًا.
إن كانت الأرض محاصَرة، فالسّماء لا زالت متاحة.
نارٌ عظيمةٌ يلامس لهيبها السماء،
وأشرارٌ يحيطون بها من كلّ الجهات، كأنهم يحرسون شيئًا ثمينًا.
وزغٌ مرتزقٌ ينفخ في النار محاولًا زيادة لهيبها،
سربٌ من الصقور يحجبون ضوء الشمس.
صقرٌ شجاعٌ يقودهم، يحلّق من بعيد،
يملأ فمه بالماء، ويلقيه فوق النار كأنها معونةٌ من رحمة الله.
وتتعالى الأصوات من حوله:
لقد حطّم أصنامنا!
تجرّأ على آلهتنا!
أحرقوه ليكون عبرة!
هذه اوامر النمرود
ويطغى فوق صرخاتهم صوتُ الصقر يخاطب خليل الله قائلًا:
اصمد يا نبيّ الله
سأخبر جميع الطيور أن تأتي لمساعدتك،
أنا أعلم أننا سننتصر، لأن الله معنا.»
ثم يضيف قائلا :
سأعود بالمزيد من الماء،
وإن كانت المسألة صعبة، فإن الله سيهدين.
فيأتي أمر الله من فوق سبع سماوات:
يا نارُ، كُوني بردًا وسلامًا على إبراهيم.
تصمت الأرض ، وتبرد النار،
وينجو النبي المحاصر
بينما يهبط الصقر شامخًا، محاطًا بالنور
بعد أن عانق سماءً تملؤها ألسنة اللهيب.
يجابه الصعاب بإرادته، ويقدّم الغالي و النفيس في سبيل كلمة الحق،
يحلّق كلّما اشتعلت نارُ الباطل من جديد،
ليُثبت للمحبطين أن من كان الله معه، لا يحزن أبدًا.
لقد صار الصقر عنقاءَ الحقّ، وعنواناً للكرامة
رغم كل من شكّك في أدائه،
طائرًا لا يعرف الاستسلام، لأن رسالته خالدة لا تموت.
رمزًا لكلّ من يُقاتل بالنور لا بالنار،
وبالحكمة لا بالتهوّر.
انتهت القصة، فأظهر الله لسيدنا إبراهيم
من استنفر لنصرته، مقبلًا غير مدبر،
وعانق السماء الملتهبة بأجنحةٍ من نور،
ومن اكتفى بالتشكيك وإحباط الهمم.
معتقدين أَنهم يُطْفِئُون نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ، وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُون.
