حين يمشي الملك بين شعبه.. نفهم من جديد كيف تُبنى الثقة بين الدولة والناس
    
حين يمشي الملك بين شعبه.. نفهم من جديد كيف تُبنى الثقة بين الدولة والناس
بقلم النائب الدكتور أيمن البدادوة
لم تكن زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى وسط البلد حدثاً عادياً يمكن المرور عليه كخبر يومي، بل كانت رسالة سياسية عميقة لها أثرها المباشر على وعي الشارع وعلى شكل العلاقة بين الدولة والمواطن. وأنا أكتب اليوم، لا أكتب تعليقاً سياسياً بقدر ما أكتب شهادة حقيقية على لحظة تعيد تعريف طبيعة الحكم في الأردن: حكم قائم على القرب، لا على المسافة
ما رأيناه اليوم، ملك يمشي بين الناس دون حواجز، دون ترتيب أو بروتوكول، ليس مجرد لفتة إنسانية، بل تأكيد على أن الإصلاح لا يتحقق من داخل القاعات الرسمية فقط، بل يبدأ من حيث يعيش الناس، من أسواقهم، من همومهم اليومية، ومن أصواتهم التي لا تمر عبر وسيط. فالشارع هو الحقيقة الأولى، وميدان القرار لا يزال هناك، حيث يمكن للحاكم أن يسمع ويتفاعل دون وسيط أو تقرير مكتوب.
إن اختيار جلالته لوسط البلد لم يكن عفوياً، فهذا المكان ليس مجرد منطقة تجارية، بل ذاكرة اجتماعية تختصر الأردن كله: التنوع، البساطة، الناس الذين يعيشون يومهم بلا ترف، والذين يختبرون معنى الدولة في تفاصيل حياتهم، لا في خطاباتها. حين يقف الملك بينهم، فهو يعيد الاعتبار لقيمة المواطن، وللحق في أن تُصنع السياسات بناءً على معايشة مباشرة لواقع الناس لا بناءً على تصورات مكتبية
أقولها بوضوح: هذه الزيارة تضعنا نحن، كنواب، أمام مسؤولية مضاعفة. فإذا كان الملك أول من يذهب إلى الشارع، فواجبنا أن نكون أقرب لا أبعد، أن نسمع قبل أن نتكلم، أن نتواجد قبل أن نُصرّح. لا يليق أن يسبقنا رأس الدولة إلى الناس بينما ننتظر التقارير لتخبرنا بما يجب أن نعرفه بأنفسنا
إن المشهد اليوم يؤكد أن الدولة القوية ليست التي تعلو على مجتمعها، بل التي تبقى متصلة به بلا حواجز نفسية أو سياسية والشرعية الحقيقية لا تُصنع في مكاتب الحكم، بل في لحظة صادقة بين القائد وشعبه، لحظة يثق فيها المواطن أن من يحكمه يعرفه، يسمعه، ويدرك ما يحمله من قلق وأمل
لقد علّمنا جلالة الملك اليوم درساً بسيطاً وعميقاً: أن أفضل طريقة لإدارة الدولة هي أن تبقى قريبة من الناس، وأن الإصلاح لا يُعلن، بل يُمارس. وهذه ليست زيارة بروتوكولية، بل خطوة عملية تقول لكل مسؤول: انزل للناس قبل أن تحكم عليهم، وكن بينهم قبل أن تتخذ قراراً باسمهم
أختم بما أؤمن به:
الدولة التي تبقى راسخة هي تلك التي لا تفقد اتصالها بشعبها
وإذا كان الملك قد اختار أن يبدأ من الشارع، فلا عذر لأحد في الدولة أن يختبئ وراء مكتبه بعد الآن
        