مفتاح المعجزة..

مفتاح المعجزة..
هالة جمال سلوم
في كل زمانٍ ومكان، تواجه البشرية أنواعًا كثيرة من التحديات والمِحنٌ والمنحنيات، فتضيق السبل، وتشتد الأزمة صعوبة، فتنضب الحلول والخيارات، ويصبح الخروج من المأزق في كثير من الأحيان محالاً، فتكون النتيجة خوف واضطراب، فعجز، فاستسلام!
وفي خضمّ هذه الأمواج المتلاطمة، تتجلى حقيقة الإيمان من أعماق القلب، فيبرز "اليقين" كقيمة إيمانية عظيمة في روح الإنسان، تمنحه التفاؤل والثقة والجزم والإيمان التام بقدرة الله تعالى على تغيير المشهد كله، وخلق طريق النجاة من قلب الأزمة، حتى وإن خالف ذلك ظاهر الأمر، فاليقين إيمان مطلق راسخ لا يهتز.
وبينما نحن على أعتاب اليوم العاشر من محرم – يوم عاشوراء - نقف إجلالًا وإكباراً لأعظم صور اليقين في التاريخ الإنساني كله، وهو يقين سيدنا موسى عليه السلام في حادثة البحر، حينما كان الطاغية وجيشه من خلفه، والبحر من أمامه، فظن من معه أن الهلاك واقعٌ لا محالة، وصاحوا "إنا لمدركون"!! فالموقف ميؤوسٌ منه، فلا عدد ولا عتاد ولا قوة عسكرية ولا خطة بديلة معهم، لكن قوة اليقين بالله في قلب سيدنا موسى عليه السلام فاقت الزمان والمكان وقدرة العقل والحواس، وقال "كلا، إن معي ربي سيهدين"، فكان يقينه مفتاح المعجزة، فانشق له البحر، وسار موسى ومن معه آمنين!
إن العارف بالله حق المعرفة، لا تقلقه أقدار الحياة، ولا تضعفه تقلبات الزمن، فقلبه مطمئن وواثق بقدرة الله، يستند إلى يقين راسخ بأن الفرج آت، قال تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه"، وهذا وعدٌ لمن أحسن التوكل واليقين بأن الله لن يخذله، حتى في أحلك اللحظات.
ففي الوقت الذي قال فيه فرعون " أنا ربكم الأعلى " قال موسى عليه السلام " كلا إن معي ربي سيهدين" وفيها تجلٍ للمعنى الحق للاستسلام لله والانقياد لعظمته، ففي الآية الأولى ، إيمان مطلق بقدرة الذات المجردة، فكان الهلاك، وفي الثانية، يقين صادق واعتماد كامل على الله فكانت النجاة.
"واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" الحجر 99.
إن يوم عاشوراء هو درس حي في مواجهة الطغيان والشدائد بثقة كبيرة، وأن كل الطرق ستفتح بالتصديق والإيمان، وأن أحداً لن يخذل بمعية الله، فنحن أحوج ما نكون إلى اليقين، لا كترفٍ روحي، بل كقوة عملية تدفعنا للاستمرار، وتمنحنا طمأنينةً في اتخاذ القرار، وتُعلّمنا كيف نواجه المحن بإيمان لا يتزعزع.
والحمد لله رب العالمين..