أزمة الإدارة المحلية في الأردن: قراءة في تجربة قانون اللامركزية
أزمة الإدارة المحلية في الأردن: قراءة في تجربة قانون اللامركزية
المهندس سعيد بهاء المصري
لمتكن تجربة الإدارة المحليةفي الأردن، التي ارتكزت علىتطبيق قانون اللامركزية، مجردإجراء إداري لتوسيع المشاركةالشعبية، بل كانت رهانًااستراتيجيًاعلى إصلاح حقيقي فيمنظومة الإدارة العامة، يقوم على توزيعالصلاحيات بين مجالس المحافظاتوالمجالس البلدية والمجالس التنفيذية، بما يضمن التنسيقوالتنمية المتوازنة. غيرأن ما جرى فعليًامنذ تطبيق هذا القانونكشف عن أزمة أعمق،تتعلق ببنية الإدارة العامةنفسها، وبقدرة المؤسسات علىاحترام التسلسل الإداري الهرمي وحوكمة الصلاحياتبين المستويات المختلفة.
رغموضوح القانون في توزيع الصلاحياتبين المجالس المحلية والتنفيذية والبلديات، إلا أن الواقعأظهر أن هناك تداخلًامزمنًا في الأدوار، وانعدامًافي الفهم العملي للسلطاتالمناطة بكل مستوى إداري. الصراعات لم تكن حولالخدمة العامة بقدر ماكانت حول تفسير منيمتلك القرار، ومن له اليدالعليا. فأُهدرت سنواتمن العمل في جدالاتداخلية، بدلًا من البناءالمؤسسي والتكامل الأفقي والعمودي بينوحدات الإدارة المحلية.
لقدأصبح من المألوف أننسمع عن تعطل المشاريعأو تأخر القرارات بسببالنزاع على الصلاحيات، فيالوقت الذي يفترض فيهأن تكون المجالس منتخبةوممثلة للمواطنين، وتعمل بشكل تشاركيمع الإدارات التنفيذية الرسمية. لكنما حدث فعليًا هوتهميش متبادل واستئثار بالقرار،أفرغ القانون من مضمونه وأحبطتطلعات الناس في التنميةالمحلية الفاعلة.
ليسالعيب في القوانين، فهيقابلة للتطوير والتعديل، وليست نصوصًا مقدسة. العيب الحقيقي كامنفي الممارسة وفي الفجوة العميقةبين المفاهيم النظرية للحكم المحلي وبينقدرة من انتُخب أوعُيّن على الالتزام بمبادئالحوكمة والإدارة الرشيدة. إنمن يعمل داخل مؤسساتالدولة هو ذاته المواطنالأردني، وإذا كانت مخرجاتالتجربة متعثرة، فإن من الإنصافأن نعيد النظر فيمنهجنا الإداري لا في نوايانا.
إنمن أبرز مظاهر هذاالفشل، غياب رؤية مشتركةبين المجالس المختلفة، وغياب التنسيق والتكاملالمؤسسي، بل وتحول بعضالمجالس إلى ساحات تجاذبسياسي وشخصي، بعيدًا عنالمصلحة العامة. وهذاما حال دون تحقيقالأهداف التي نص عليهاقانون اللامركزية، وأفقد التجربة مصداقيتهاأمام الرأي العام.
قرارالحكومة مؤخرًا بحل مجالسالمحافظات والمجالس البلدية، وتعيين لجان مؤقتةلإدارتها في أنحاء المملكة،لم يكن خطوة ارتجالية،بل جاء بعد تقييمموضوعي لسنوات من الأداءغير المرضي. وإذاكانت المجالس السابقة قد أخفقت فيتحقيق التنمية المنشودة، فإن المراجعة المطلوبةاليوم يجب أن تكونأعمق من مجرد استبدالالأشخاص، بل يجب أنتصل إلى صلب المنظومةالإدارية التي سمحت بترسيخممارسات بيروقراطية، وغير تشاركية، ولاتستجيب لمعايير الحوكمة.
هذاالقرار لا يجب أنيُقرأ فقط من بابالتقييم السلبي، بل كفرصة لإعادةالتأسيس على أسس أكثرنضجًا. وما ننتظرهمن الحكومة ليس فقط تعديلالقوانين، بل وضع خارطةطريق جديدة تضمن بناءإدارة محلية قائمة علىالتكامل المؤسسي، وتعزيز الكفاءات، وترسيخثقافة الإدارة العامة كعلم وممارسة،وليس كمنصة لتصفية الحساباتأو الاستئثار بالقرار.
نحنبحاجة إلى مصارحة وطنيةتتناول بجرأة فشل التجربة،وتُقر بأن هناك أزمةإدارة عامة تحتاج إلىتدخل عميق في الثقافةالمؤسسية، وآليات اختيار القيادات،ونظم التدريب والمساءلة. فالتنمية المحليةلن تتحقق بقانون جيدفقط، بل بقيادات تدركروح القانون وتعمل بمهنية ضمنمنظومة متكاملة تتسق مع أهدافالدولة في التحديث الإداريوالاقتصادي.
إنمستقبل الإدارة المحلية في الأردن يتوقفعلى كيفية بناء المرحلةالمقبلة بعد حل المجالس،وهل سيتم العمل علىبناء نموذج جديد أكثرقدرة على تحقيق التوازنبين المركز والأطراف، ويؤسسلعلاقة صحية بين المواطنوالدولة، قائمة على الشفافيةوالفاعلية والمحاسبة.
